في الأول من شهر ماي سنة 2018 قررت الرباط قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بعد ثبوت تورطها وضلوعها في التخطيط لزعزعة وتهديد أمن وسلامة المملكة المغربية، من خلال صلتها بحزب الله الذي عمل على تقديم المساعدات لميليشيا البوليساريو، كما ثبت تورطه في تدريب عناصر إرهابية من الجبهة الانفصالية ومدها بالسلاح، كل ذلك حدث بتنسيق من سفارة إيران في الجزائر.
اليوم وبعد مرور قرابة أربع سنوات، خرجت عدة تقارير إعلامية لتتحدث عن محاولات إيرانية رأب الصدع مع المغرب، ومحاولة التقارب معه من جديد، خصوصا بعد الأحداث الساخنة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وبعد أن ضُيق الخناق حول عنق طهران، التي تترنح تحت وطأة العقوبات الأمريكية عليها بسبب ملفها النووي.
وأوردت ذات التقارير أن هناك سعي حثيث قد تقوم به السعودية التي شهدت بدورها تقاربا مع طهران من أجل حلحلة هذا الملف مضيفة أن رغبة الإيرانيين هذه اصطدمت بالمواقف الحاسمة والحازمة للمغرب فيما يخص الوحدة الترابية للمملكة.
فما هو الممكن والمستحيل في محاولة تقريب وجهات النظر بين الرباط وطهران؟
وهل تتوقف إيران التي تعيش وضعا سياسيا واقتصاديا مزريا عن دعم ميليشيا البوليساريو الإرهابية من خلال ردع وكيلها في لبنان حزب الله عن مدها بالسلاح؟
في هذا الحوار مع المحلل السياسي محمد شقير، سنحاول فهم العقل الإيراني كيف يفكر وماهي الدواعي الحقيقية التي حثته على طلب ود الرباط، وهل للأحداث الجارية بالشرق الأوسط علاقة بذلك.
- بداية، كيف يمكن قراءة هذه التقارير التي تحدثت عن محاولة طهران التصالح مع المغرب ؟ ولماذا تحديدا في هذا الوقت ؟
يبدو أن هناك ثلاثة عوامل أساسية وراء التحرك الإيراني اتجاه المغرب. يتمثل الأول في التوجه الإيراني لتعزيز علاقاته مع الدول العربية، خاصة تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة. فبعد تطبيع العلاقات مع السعودية في الخليج، تحاول إيران الآن تطبيع علاقاتها مع المغرب، وكلاهما يعتبران حليفين استراتيجيين للولايات المتحدة.
أما العامل الثاني فيتمثل في البرود السياسي بين إيران والجزائر بعد فترة من التحالف بينهما، مما دفع إيران إلى التوجه نحو المغرب الذي يحظى حاليًا بمصداقية من طرف الدول الكبرى والإقليمية بسبب تنوع شراكاته.
أما العامل الثالث فيتجلى في عودة ترامب، المعروف بتشدده اتجاه إيران، إلى سدة الحكم، مما دفع إيران إلى توسيع علاقاتها الخارجية وكسر أي عزلة قد تفرض عليها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.
- إذا ما حاولنا تحليل عقلية وذهنية الإيرانيين، في اعتقادكم كيف يفكر الإيرانيون الذين تعيش بلادهم ظروفا سياسية واقتصادية صعبة وقرروا إعادة إصلاح العلاقات مع المغرب ؟
في ظل الصراع القائم في الشرق الأوسط، خاصة بين إسرائيل وإيران، والذي يدور بينهما حرب بالوكالة وتبادل الضربات العسكرية والاستخباراتية من وقت لآخر، وفي ظل الحصار الاقتصادي المفروض على إيران من طرف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، تسعى إيران إلى توسيع علاقاتها مع الدول العربية، سواء في الخليج أو في شمال إفريقيا، لكسر العزلة الدبلوماسية المفروضة عليها ولإزالة صورة الدولة المهددة لاستقرار البلدان العربية.
وقد تجسد ذلك في التقارب مع السعودية والإمارات وقطر وغيرها من الدول العربية، مما يفسر سعيها لإعادة استئناف علاقاتها مع المغرب، خاصة وأن هذا الأخير لا يواجه معها أي خلافات حدودية، ويتميز بوجود مسافة جغرافية بين البلدين، بالإضافة إلى عدم وجود احتكاك أو تنافس في أي مجالات اقتصادية أو تجارية.
- في اعتقادكم هل للأحداث الجارية في الشرق الأوسط علاقة بهذه الخطوة الإيرانية وهل لعودة ترامب إلى البيت الأبيض علاقة أيضا؟
من الواضح أن الحرب الدائرة بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، من خلال حرب غزة ولبنان، تقتضي من إيران البحث عن حلفاء جدد أو على الأقل ضمان حيادهم في هذه الحرب المستمرة في المنطقة، خاصة إذا كانت هذه الدول ضمن حلفاء الولايات المتحدة وتتمتع بعلاقات قوية معها، مثل السعودية المعروفة بتحالفها مع الولايات المتحدة والمغرب.
ولعل هذا يفسر اعتماد إيران على السعودية والإمارات للقيام بمساعي لتقريب وجهات النظر بين البلدين. ويكتسب هذا السعي أهمية خاصة، بالنظر إلى أن المغرب لديه علاقات مشتركة مع عدة أطراف مساهمة في الصراع، مثل السلطة الفلسطينية وإسرائيل، بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع الولايات المتحدة.
- بالإضافة لعدم التدخل في شؤون الدول والتوقف عن دعم الميليشيات الإرهابية المسلحة الساعية لتقسيم الدول.
ماهي شروط المغرب ومحدداته التي وضعها حتى يفتح بابا للحوار مع طهران؟
إن مساعي إيران للتقارب مع المغرب تحكمها حاليا سياقات متعددة، أبرزها عودة ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة وموقفه المتشدد تجاه إيران، والذي تمثل أساسا في تعيينه لكاتب الدولة في الخارجية الأمريكية المعروف بتشدده في مسألة تحجيم طموحات إيران النووية.
وفي هذا السياق، يبدو أن الدبلوماسية الإيرانية تسعى إلى تطبيع علاقاتها الخارجية، خاصة مع حلفاء الولايات المتحدة في العالم العربي، سواء في الخليج وعلى رأسهم السعودية، أو في شمال أفريقيا، مثل المغرب.
لكن أي تطبيع للعلاقات بين المغرب وإيران ينبغي أن يخضع للبوصلة السياسية التي حددها الملك محمد السادس في موقفه من قضية الصحراء. فالمغرب، ما دام لم يتأكد من تراجع كلي للإيران عن تقديم أي دعم عسكري لمليشيات البوليساريو الإرهابية، فإنه لن يقدم على أي خطوة دبلوماسية اتجاه إيران.
بالإضافة إلى ذلك، على إيران تبني توازن في علاقاتها مع كل من الجزائر والمغرب، مع الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، خاصة فيما يتعلق بالتشجيع على نشر التشيع السياسي في المملكة.
ولعل الاجتماعات الأخيرة في الرباط التي جمعت مسؤولين سعوديين ومغاربة وإيرانيين تمحورت حول هذه الشروط التي نقلت إلى السلطات الإيرانية للرد عليها. وبناءً على طبيعة الرد الإيراني ووقت استجابته، سيتحدد بشكل كبير نجاح أي تطبيع مغربي إيراني في المستقبل المنظور.
- ختاما، ما مدى جدية إيران في تغيير سياستها اتجاه المغرب؟
العلاقات بين إيران والمغرب اتسمت منذ الثورة بقيادة الخميني بالتوتر وقطع العلاقات الدبلوماسية، حيث كان المغرب في عهد الملك الحسن الثاني يعتبر حليفا للشاه، قبل أن يرحل الأخير إلى مصر. كما تميزت العلاقات بمحاولة إعادة التقارب التي لم تدم طويلا بسبب الخلافات الإيديولوجية بين النظامين، إضافة إلى تحالف إيران مع الجزائر التي دعمت ودربت قوات البوليساريو.
وبالتالي، هناك حالة من عدم الثقة بين البلدين، مما يجعل عملية التطبيع أمرا معقدا، خاصة وأن المغرب قد أبرم اتفاقية أبراهام التي استأنف بموجبها العلاقات مع إسرائيل، التي تعتبر العدو الإقليمي لإيران.
ومن ثم، أي تقارب بين البلدين سيكون مؤقتا وظرفيا، ويعتمد أساسا على تطورات المنطقة على الصعيدين السياسي والعسكري، خصوصا وأنه لا توجد علاقات اقتصادية تساهم في تعزيز هذا التقارب، بالإضافة إلى الخلافات الإيديولوجية المتمثلة في تشييع إيران والغموض الذي يحيط بسلوكها تجاه الدول.